الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الفتنة بين بختيار وسبكتكين والأتراك. كان بختيار قد قلت عنده الأموال وكثرت مطالب الجند وشغبهم فكان يحاول على جمع الأموال فتوجه إلى الموصل لذلك ثم رجع فتوجه إلى الأهواز ليجدد ريعه إلى مصادرة عاملها وتخلف عنه سبكتكين والأتراك الذين معه ووقعت فتنة بين الأتراك والديلم بالأهواز واقتتلوا ولج الأتراك في طلب ثأرهم وأشار عليه أصحاب الديلم بقبض رؤساء الأتراك وقوادهم ففعل وكان من جملتهم عامل الأهواز وكاتبه ونهبت أموالهم وبيوتهم ونودي في البلد باستباحتهم وبلغ الخبر إلى سبكتكين وهو ببغداد فنقض طاعة بختيار وركب في الأتراك وحاصر داره يومين وأحرقها وأخذ أخويه وأمهما فبعثهم إلى واسط في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وانحدر المطيع معهم فرده وترك الأتراك في دور الديلم ونهبوها وثارت العامة مع سبكتكين لأن الديلم كانوا شيعة وسفكت الدماء وأحرق الكرخ وظهر أهل السنة..خلع المطيع وولاية الطائع. كان المطيع قد أصابه الفالج وعجز عن الحركة وكان يتستر به وانكشف حاله بسبكتكين في هذه الواقعة فدعاه إلى أن يخلع نفسه ويسلم الخلافة عبد الكريم ففعل ذلك منتصف ذي القعدة سنة ثلاث وستين لست وعشرين سنة ونصف من خلافته وبويع ابنه عبد الكريم ولقب الطائع..الصوائف. وعادت الصوائف منذ استبد ناصر الدولة بن حمدان بالموصل وأعمالها وملك سيف الدولة أخوه مدينتي حلب وحمص سنة ثلاث وثلاثين فصار أمر الطوائف إليه فنذكرها في أخبار دولتهم فقد كان لسيف الدولة فيها آثار وكان للروم في أيامه جولات حسنت فيها مدافعته وأما الولايات فانقطعت منذ استيلاء معز الدولة على العراق وانقسمت الدولة الإسلامية دولا نذكر ولايات كل منها في أخبارها عند انفرادها على ما شرطناه..فتنة سبكتكين وموته وإمارة افتكين. لما وقع بختيار في الأتراك بالأهواز ما وقع وانتقض سبكتكين ببغداد عمد بختيار إلى من حبسه من الأتراك فأطلقهم وولى منهم على الأتراك زادويه الذي كان عامل الأهواز وسار إلى واسط للقائه وأخويه وكتب إلى عمه ركن الدولة وابن عمه عضد الدولة يستنجدهما وإلى أبي ثعلب بن حمدان في المدد بنفسه ويسقط عنه مال الأقطاع وإلى عمران بن شاهين بالبطيحة كذلك فجهز إليه عمه ركن الدولة العسكر مع وزيره أبي الفتح بن العميد وكتب إلى ابن عمه عضد الدولة بالمسير معه فتثاقل وتربص بختيار طمعا في ملك العراق وأما عمران بن شاهين فدافع واعتذر بأن عسكره لا يفتكون في الديلم لما كان بينهم وأما أبو ثعلب فبعث أخاه أبا عبد الله الحسين في عسكر إلى تكريت فلما سار الأتراك عن بغداد إلى واسط لقتال بختيار وجاء هو إليها ليقيم الحجة في سقوط الأقطاع عنه ووجد الفتنة حامية بين العيارين فكف القسامة وانتظر ما يقع ببختيار فيدخل بغداد ويملكها ولما سار الأتراك إلى واسط حملوا معهم خليفتهم الطائع لله وأباه المطيع المخلوع وانتهوا إلى دير العاقول فهلك المطيع وسبكتكين معا وولى الأتراك عليهم أفتكين من أكابر قوادهم ومولى معز الدولة فانتظم أمرهم وساروا إلى واسط وحاصروا بها بختيار خمسين يوما حتى اشتد عليه الحصار وهو يستحث عضد الدولة..نكبة بختيار على يد عضد الدولة ثم عوده إلى ملكه. لما تتابعت كتب بختيار إلى عضد الدولة باستحثاثه سار في عساكر فارس وجاءه أبو القاسم بن العميد وزير أبيه إلى الأهواز في عساكر الري وساروا إلى واسط وأجفل عنها أفتكين والأتراك إلى بغداد ورجع أبو ثعلب إلى الموصل ولما جاء عضد الدولة إلى واسط سار إلى بغداد في الجانب الشرقي وسار بختيار في الجانب الغربي وحاصروا الأتراك ببغداد من جميع الجهات وأرسل بختيار إلى ضبة بن محمد الأسدي من أهل عين النمر وإلى أبي سنان وأبي ثعلب بن حمدان بقطع الميرة والإغارة على النواحي فغلا السعر ببغداد وثار العيارون ووقع النهب وكبس أفتكين المنازل في طلب الطعام فعظم الهرج وخرج أفتكين والأتراك للحرب فلقيهم عضد الدولة فهزمهم وقتل أكثرهم واستباحهم ولحقوا بتكريت وحملوا الخليفة معهم ودخل عضد الدولة إلى بغداد في جمادى سنة أربع وستين وحاول في رد الخليفة الطائع فرده وأنزله بداره وركب للقائه الماء في يوم مشهود ثم وضع الجند على بختيار فشغبوا عليه في طلب أرزاقهم وأشار عليه بالغلظة عليهم والاستعفاء من الإمارة وأنه عند ذلك يتوسط في الإصلاح فأظهر بختيار التخلي وصرف الكتاب والحجاب ثقة بعضد الدولة وتردد السفراء بينهم ثلاثا ثم قبض عضد الدولة على بختيار وإخوته ووكل بهم وجمع الناس وأعلمهم بعجز بختيار ووعدهم بحسن النظر وقام بواجبات الخلافة وكان المرزبان بن بختيار أميرا بالبصرة فامتنع فيها على عضد الدولة وكتب إلى ركن الدولة يشكو ما جرى على أبيه بختيار من ابنه عضد الدولة ووزيره ابن العميد فأصابه من ذلك المقيم المقعد حتى لقد طرقه المرض الذي لم يستقل منه وكان ابن بقية وزير بختيار قد سار إلى عضد الدولة وضمنه واسط وأعمالها فانتقض عليه بها وداخل عمران بن شاهين في الخلافة فأجابه وكتب إلى مهل بن بشر وزير أفتكين بالأهواز وقد كان عضد الدولة ضمنه إياها وبعثه إليها مع جيش بختيار فاستماله ابن بقية وخرجت إليه جيوش عضد الدولة فهزمهم وكاتب أباه ركن الدولة بالأحوال وأوعز ركن الدولة إليه وإلى المرزبان بالبصرة على المسير بالعراق لإعادة بختيار واضطربت النواحي على عضد الدولة لإنكار أبيه وانقطع عن مدد فارس وطمع فيه الأعداء فبعث أبا الفتح بن العميد إلى أبيه يعتذر عما وقع وأن بختيار عجز ولايقدر على المملكة وأنه يضمن أعمال العراق بثلاثين ألف ألف درهم ويبعث بختيار وإخوته إليه لينزله بأي الأعمال أحب ويخير أباه في نزوله العراق لتدبير الخلافة ويعود هو إلى فارس وتهدد أباه بقتل بختيار وإخوته وجميع شيعهم إن لم يوافق على واحدة من هذه فخاف ابن العميد غائلة هذه الرسالة وأشار بإرسال غيره وأن يمضي هو بعدها كالمصلح فبعث عضد الدولة غيره فلما ألقى الرسالة غضب ركن الدولة ووثب إلى الرسول ليقتله ثم رده بعد أن سكن غضبه وحمله إلى عضد الدولة من الشتم والتقريع على ما فعله وعلى ما يطلب منه من كل صعب من القول وجاء ابن العميد على أثر ذلك فحجبه وتهدده ثم لم يزل يسترضيه بجهده واعتذر بأن قبوله لهذه الرسالة حيلة على الوصول إليه والخلاص من عضد الدولة وضمن له إعادة عضد الدولة إلى فارس وتقرير بختيار بالعراق فأجاب عضد الدولة إلى ذلك وأفرج عن بختيار ورده إلى السلطنة على أن يكون نائبا عنه ويخطب عنه ويجعل أخاه أبا إسحق أمير الجيش لعجز بختيار ورد عليهم ما أخذ لهم وسار إلى فارس وأمر ابن العميد أن يلحق به بعد ثلاث فتشاغل مع بختيار باللذات ووعده أن يصير إلى وزارته بعد ركن الدولة وأرسل بختيار عن ابن بقية فقام بأمر الدولة واحتجن الأموال فإذا طولب بها دس للجند فشغبوا حتى تنكر له بختيار واستوحش هو.
|